اللامبالاة والفوضى - طه كلينتش
GAZETE YAZARI

اللامبالاة والفوضى

26 January 2022, 10.33

تصدرت الهجمات الصاروخية التي نفذها الحوثيون المتمركزون في اليمن والمدعومون من إيران، على العاصمة الإماراتية أبوظبي، أجندة وعناوين وسائل الإعلام الدولية والعالمية.

وكانت جماعة الحوثي اليمنية، قد أعلنت يوم الاثنين الماضي، استهداف مطاري دبي وأبوظبي، ومنشآت "حساسة" في الإمارات بـ5 صواريخ باليستية، وعدد كبير من المسيّرات، مما تسبب بأضرار مادية وبشرية.

ولا شك فإن الهدف الأساسي من هذه الهجمات على أبوظبي هو إيصال رسالة تحذير جادة للإمارات، التي تتواجد على الجبهة المناهضة للحوثيين في اليمن إلى جانب السعودية. وعلى ما يبدو فإن الحوثيين، الذين ينفذون منذ فترة طويلة وبشكل شبه يومي هجمات صاروخية على الأراضي السعودية، قد وسعوا من جديد أهدافهم نحو الإمارات. وإلى الآن لم تستطع إدارة أبوظبي منع أو إيقاف هجمات الحوثيين التي تسببت بأضرار لا بأس بها، حالها كحال نظيرتها السعودية التي تعاني هي الأخرى من هجمات حوثية شبه يومية ضد أراضيها ولم تستطع بعد إيقاف ذلك. ومما لا شك فيه أيضًا أن بعض الأشخاص الآن في طهران وصنعاء يشاهدون بفرح وسعادة، قلة الحيلة واليأس الذي تعيشه إدارة أبوظبي حاليًا تجاه الهجمات الحوثية.

لكن الأمر الغريب والملفت للأنظار في هذه الهجمات هي توقيتها، حيث إن الإدارة الإماراتية، بذلت خلال الأشهر القليلة الماضية، جهودًا مكثفة لإعادة العلاقات مع دول المنطقة، بما في ذلك إيران. كما أن الزيارة الأخيرة لولي العهد الإماراتي محمد بن زايد إلى تركيا كانت أيضًا نتاج تلك الجهود. لكن قيام مجموعة مسلحة مدعومة عسكريًا وفكريًا من إيران بتنفيذ هجوم صاروخي على أبوظبي، ينذر بعملية إعادة مناقشة للخيارات السياسية في الخليج، وعلى مايبدو فإن هذه الخيارات بدأت تتضاءل تدريجيًا.

إن التبعات المتنوعة للتنافس الإقليمي بين إيران والسعودية، على حساب دماء وأجساد المدنيين اليمنيين الأبرياء، ستستمر في إشغال واحتلال منطقتنا وجغرافيتنا. لذلك، سيتعين علينا العودة إلى هذا الموضوع كلما اقتضت الحاجة. وهنا أود أن أشير إلى مشكلة أخرى أكبر وأعمق، وهي الخطر الوجودي الذي تواجهه دول الشرق الأوسط، وخاصة الدول السنية. هذا الخطر هو "اللامبالاة والفوضى" النابع من عدم وجود "أيديولوجية تحفيزية".

سأتناول المشكلة بأمثلة عملية:

لا يمكن لأي مجتمع، خاصة في منطقة جغرافية ذات طبيعة قاسية مثل الشرق الأوسط، أن يعيش بدون "محرك أيديولوجي". وسواء كان هذا الفعل صوابًا أو خطًأ، فإن كل مجتمع يحتاج إلى أيديولوجية تحفيزية يرضخ فيها الناس تمامًا، ويضحون بحياتهم إذا لزم الأمر. خلاف ذلك، من المستحيل الحفاظ على تماسك المجتمعات ومنع التفكك.

لقد استخدم الاحتلال الإسرائيلي خلال احتلاله للأراضي الفلسطينية "الصهيونية" كدافع وقوة تحفيزية، وذلك على الرغم من أن جزءًا كبيرًا من قادة الصهاينة في التاريخ يُعرفون ب"الإلحاد" أو على الأقل ب "اللاأدرية أو الأغنوستية". نعم لقد احتلت إسرائيلي الاراضي الفلسطينية بهذه الخطط الأيديولوجية الخبيثة، وما زال الاحتلال مستمرًا بنفس الطريقة. وهذا هو السبب في أن اليهود العلمانيين، الذين لا يؤمنون بأي نصوص مقدسة، ينتهي بهم الأمر غالبًا عند "حائط البراق" (حائط المبكى) في القدس.

من جانب آخر، تستخدم إيران "الشيعة" كورقة رابحة لتحقيق أهدافها حينما تشاء وتريد. وفي السنوات الأخيرة تعمدت إيران نشر التشيع وجعلته الهدف الرئيسي لسياستها الخارجية. وعلى الرغم من كثرة الصعوبات التي واجهتها إيران في هذا المسار، إلا أن الدافع والحماس الأيديولوجي الذي غرسته جماعة الشيعة في أعضائها المنتسبين، أدت إلى تطرفهم جميعًا وجعلتهم يتحملون كل الصعوبات ويضحون حتى بأنفسهم "من أجل القضية"، مما ساعد إيران على تحقيق ماتريد.

نعم إن هاتين الدولتين المدمرتين - إسرائيل وإيران - تمكنتا بفضل "أيديولوجية التحفيز" من فرض سيطرتهما على أجزاء واسعة من الشرق الأوسط. لكن السؤال المهم هنا: "هل هناك أيديولوجية تحفيزية وعدت بها دول العالم السنية شعوبها واستخدمتها لتعبئة أنصارها؟ هل تستطيع بعض الدول العربية أن تقدم حلًا لمنع التفكك والتشتت بدلًا من الاصطفاف مع الغرب ومعاداة الإخوان المسلمين؟".. ببساطة فإن الإجابات على هذه الأسئلة هي التي ستحدد مستقبل منطقتنا وجغرافيتنا.

ومنذ عدة سنوات، كان للسعوديين وجود أيديولوجي في الشرق الأوسط من خلال "الوهابية"، إلا أن خشونة هذه العقلية وعدم تقبلها في غالبية العالم الإسلامي بسبب الموقف الفظ الذي أبدته في التعامل مع المسلمين بشكل عام، حال دون تبنيها من قبل الجماهير الإسلامية الغفيرة. ومع ذلك، كانت هذه الأيديولوجية هي السبب في قوة السعوديين آنذاك. أما في الوقت الحالي فإن محاولات التغريب والانفتاح على العالم الحديث التي يقوم بها ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" تحت مسمى "إنقاذ السعودية من الرموز الوهابية"، تجر المجتمع السعودي إلى "اللامبالاة والفوضى" بسرعة كبيرة. وعلى مايبدو فإن الشعب السعودي مع الأسف لن يدرك حقيقة خطورة التغريب الأعمى الذي يطبق حاليًا إلا بعد فوات الأوان.

وأخيرًا فإن كل شعوب العالم لا يمكن أن تعيش وتحافظ على نفسها من التفكك والتشتت بدون "حافز أيديولوجي".

فعندما لا تتمكن من وضع حافز أيديولوجي أمام الشعوب والمجتمعات، يصبح من سابع المستحيلات مقاومة الأعداء ومواجهة المصاعب.

نعم هذا هو السبب الرئيسي للاضطرابات التي نعيشها في منطقتنا اليوم.

SON DAKİKA

#title#